"ثم عاد.." تأليف صبري رجب: قراءة نقدية
بقلم \ الأديبة المغربية وصال تقة
"ثم عاد"، رواية الاستاذ "صبري رجب" التي كُتبت بحروف مِن نور، تُنشئ جسور العودة، وتُشعل منارات الهداية، وتؤسِّس لرحلة البحث عن الأمان بعد طول تعب وتخبُّط بين براثن المعصية.
هي سبرٌ لأغوار النفس البشرية المُتقلِّبة الشكاكة التواقة لليقين، وإجاباتٌ على تساؤلات تحيكها دروب الأوبة، وغوصٌ في حقيقة الدنيا الماكرة الخَدَّاعة، وفلسفة للأخلاق، وسياسة للتعامل مع العجز، وتأكيد على الإرادة الممزوجة بالإيمان، وحثٌّ على التقلُّب بين الخوف والرجاء، ودعوةٌ للإخلاص، وإبحار لبرمجة الحياة.
اختار لها الكاتب أجواء روحانيةً تَسمو بالنفس، وتَنحو بها إلى العُلا، وتُحاكي فيها الملائكية، فامتزجَت أنوار الشهر الكريم وقداسة بيت الله بالنفوس العَطشى للطهر وللكمال وللنقاء، فكانت مِن هناك بداية البحث عن الروح الشاردة في زحمَة الحياة.
بطلها شابٌّ عانَقَ رحاب التوبة بعد فترة نزَقٍ وطَيش، وذاق حلاوة الإيمان بعد بُعدٍ عن الله، فأراد به الله خيرًا إذ هداه، وقيَّض له مِن خلقِه مَن يَعبُر به في تؤدة وحذر إلى مرافئ الوصول، وتلك الروح الفارغة من ربها سقَتْها قطرةٌ فنبضَت بالحياة، وانبعثَت كي تتعرَّف إلى خالقها، وتتحبَّب إليه سبحانه بمعرفة أسمائه وصفاته، وتتلمَّس طريقها، فكانت كمَن يشرَب من ماء البحر، كلما عبَّت وظنَّت أنها ارتوتْ، ازداد عطشُها، ونما ظمؤها، وأحسَّت بذلك الباعث الداخلي يَحثُّها على مزيد رُواء.
ونحن نُحلِّق في سموات الرواية الصافية، يشدُّنا ذلك الخيط النوراني المسبوك بحنوِّ الداعية إلى الله، وبرِفقه ورحمته، وتفريغ نفسه للشدِّ على يدي التائب، واختياره المُحفِّزات التي ستساعده على استقطاب "أحمد" ونحن معه لعبور رحلة النور واليقين، يأسرنا ذلك التدرج الحكيم في الدعوة إلى الله، وتحثُّنا فصولها على إعادة النظر في مسلَّماتنا، وتُعلِّمنا كيف نتحدَّى العوائق والعلائق، وكيف نُخلي سكَّتنا من أشواك التحديات؟
يُقنعنا الكاتب - بحنكة ابن الميدان - بأن نُحرِّك عقولنا لفهم شريعتنا السمحة، ويسلك بنا دروب تأسيس العقل كي يَسلم بناء المجتمع، ويغوص بنا في فلسفة الأخلاق، وفي جدلية الإفراط في العجز، والتفريطِ في إزالة العجز، ويؤكِّد لنا على أن المسلم ليس بأعورَ فكريًّا، بل هو إنسان يُعمِل عقلَه، وينظر إلى الأشياء نظرةً تفصيلية، ويَتحرى الدقة قبل أن يُصدِر أحكامَه.
يُعلِّمنا أن بداية السيل قطرة، وبأن البُلغة تبغي ضربة بداية، وتلك الضربة لا تعدو أن تكون توبة صادقة تضع بين أيدينا بدايةَ الخيط الممتد الطويل، وصدقًا مع أنفسنا وقبله مع خالقنا؛ كي ييسِّر لنا طريق الإياب.
" ثم عاد.." هي بوصلة لمن أراد أن يسلك الطريق، ومُرشد لمن أراد أن يبلغ المأمَن، ونِبراس لمن أراد أن يُعيد النظر في سلوكياته، في عصرِ فِتَن أصبَح فيه حتى الملتزم السالك أحوج ما يكون إلى مُراجَعة فعالة، ووضْعِ عدة علامات استفهام على مُسلَّماته، التي صارت - ربما بطول المكث - آسنةً راكدة، تَنتظِر ضغطة زر لتفعيلها.
....
يمكنك الحصول علي الرواية عبر الضغط علي :
إرسال تعليق
يمكن أن تترك تعليقا